اضطراب القلق العام (GAD)

اضطراب القلق العام

Advertisements

نظرة عامة

يُمكن اختزال تعريف اضطراب القلق العام بهذه العبارة البسيطة: “عندما يصبح القلق ملازما وخارجا عن السيطرة”.

الشعور بالتوتر والقلق كرد فعل للضغوطات الحياتية تفاعل طبيعي بل قد يكون مفيدا في الكثير من المواقف، كالانتباه للمخاطر والتهيؤ لها، وكذلك الحث على الاندفاع الإيجابي نحو التصرفات السليمة؛ لتجنب النتائج غير المحببة، أما في اضطراب القلق العام فإن الأعراض أكثر شدة واستمرارية وتكرارا، وبالتالي تؤثر بشكل سلبي وبصورة فجة على جودة حياة المُصاب، مما يعوق المصاب عن الممارسة الطبيعية للأنشطة الحياتية اليومية والعلاقات الاجتماعية.

يُعد اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder) واحدا من مجموعة اضطرابات القلق، والتي تصنف كأكثر الاضطرابات العقلية شيوعا، حيث قدرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)، أن اضطرابات القلق تصيب نحو 30% من البشر في مرحلة ما من حياتهم، يمثل اضطراب القلق العام منها نحو 2-3% ويمكن أن يصيب الأطفال و الكبار.

أعراض وعلامات اضطراب القلق العام

تتمحور الأعراض والعلامات حول مبدأ الشعور بالقلق الدائم دون سبب منطقي أو واضح، ومن هنا تبدأ سلسلة الأعراض بالظهور، حيث تبدأ السلسلة عقلا بالتفكير ثم ينعكس ذلك على المصاب جسديا ونفسيا وسلوكيا. وبعدها يتفاعل المصاب نفسيا وجسديا مع حياته الطبيعية ومشاكله البسيطة -معظم الوقت- كما لو كان على وشك الوقوع في كارثة أو التعرض للخطر.

ويشتمل الاضطراب على العديد من الأعراض العقلية والنفسية وكذلك الجسدية، منها ما يلي…

الأعراض العقلية والنفسية

  • الخوف والقلق المستمر غير المتناسبين مع عواقب الأمور بشأن العديد من الأمور الحياتية، مثل: العمل، والعلاقات الشخصية، وخطط المستقبل وغيرها.
  • المبالغة بالتفكير ووضع خطط للتعامل مع أسوأ الحالات والمآلات الممكنة في كل شيء.
  • استقبال المواقف والأحداث البسيطة على أنها مهددة وخطيرة والتعامل معها انطلاقا من هذا الأساس.
  • مواجهة صعوبات في السيطرة على الشعور بالشك والريبة.
  • التردد الدائم والخوف الشديد من اتخاذ قرارات خاطئة.
  • عدم القدرة على السيطرة على القلق، أو التعامل السلس مع الأمور.
  • عدم القدرة على الاسترخاء، والشعور الدائم بانقباض الصدر كما لو أن المصاب “يعيش على الحافة”.
  • الشعور المتكرر بضعف التركيز وفراغ العقل.
  • العصبية والهلع وسهولة الاندهاش والترويع.
  • الشعور بالانفصال عن الجسد (Depersonalization)، أو الانفصال عن الواقع (Derealization).
  • الخوف من فقد التحكم أو الجنون أو الموت.

الأعراض والعلامات الجسدية

  • الشعور الدائم بالإرهاق من أقل مجهود.
  • التعرض لمشاكل وصعوبات النوم كما (عدد ساعات النوم) وكيفًا (جودة النوم).
  • ألم وتوتر بالعضلات.
  • الارتجاف المتكرر والتعرق الدائم.
  • الشعور بالغثيان والإسهال.
  • الإصابة بمتلازمة القولون العصبي.
  • الشعور بالدوار والصداع المتكرر.
  • الشعور بغصة في الحلق وصعوبة البلع في كثير من الأحيان.
  • زيادة معدل ضربات القلب.
  • آلام بالصدر وصعوبة التنفس.

اضطراب القلق العام في الأطفال والمراهقين

يختبر الأطفال مشاعر القلق والخوف كما يختبرها الكبار، وإذا كان هذ القلق ملازما للطفل ومبالغا به، ربما يكون الطفل مصابا باضطراب القلق العام (GAD).

اضطراب القلق العام شائع نسبيا في الأطفال والشباب، وتتمثل أسباب القلق لدى الأطفال في العديد من الأمور مثل: الأداء الدراسي والرياضي، القدرات الشخصية، القبول الاجتماعي، سلامة أفراد الأسرة، الالتزام بالمواعيد، حدوث الزلازل والحروب المدمرة وغيرها من الكوارث.

وتظهر صورة الاضطراب في الأطفال والشباب كما يلي:

  • الشعور بالقلق والتوتر حول ما إذا كان مناسبا أو كفء.
  • الرغبة الدائمة بالكمال.
  • كثرة إعادة الطفل لأداء المهمات لشعوره بنقصها.
  • قضاء وقت أطول من أقرانه في أداء الواجب المنزلي.
  • ضعف الثقة بالنفس.
  • الرغبة والسعي للحصول على القبول.
  • الحاجة الدائمة للطمأنة والتشجيع على الأداء.
  • أعراض جسدية مثل، المغص (ألم بالبطن) والإسهال وغيرها.

تختلف درجة الأعراض وتأثيرها بين المصابين من الأطفال، وتصبح أكثر حدة وتأثيرا مع التعرض للضغوطات والمشاكل الحقيقة. وتبدأ الأعراض بالظهور تدريجيا وتؤثر بشكل سلبي وواضح على جودة حياة الطفل، ويظهر هذا التأثير أكاديميا واجتماعيا وأُسريًا، وقد يستمر الاضطراب بصورة مزمنة مع الطفل بعد البلوغ، كما قد يزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات القلق الأخرى، إذا أُهمل العلاج.

آلية حدوث اضطراب القلق العام

فهم واستيعاب آلية الاضطراب وطبيعته الفسيولوجية المرضية من الأمور الهامة التي تساعد على تأكيد التشخيص بشكل كبير، وكذلك تقديم أدوات العلاج المناسبة.

وبهذا الصدد يمنحنا النموذج التفسيري: التنبيه، التفسير المحتمل، التأقلم (Alarm, Belief, Coping (ABC) Model) إطارا واضحا ومنطقيا لفهم الدوائر العصبية المرتبطة بالقلق والتسلسل المنطقى المؤدي لظهور الأعراض الأساسية للقلق وكذلك المواطن الوارد حدوث الخلل بها؛ مما قد يؤدي لاضطرابات القلق عموما، واضطراب القلق العام باعتباره موضوع المقال.

في هذا النموذج التفسيري تتكون متسلسلة القلق من ثلاثة عناصر أو خطوات رئيسية:

العنصر الأول: ناقوس/ إشارة التنبيه (Alarm):

وتعد إشارة التنبيه هي نقطة البداية لأي من اضطرابات القلق بشكل عام ويمكن تسميتها بالناقوس والذي ينذر بشيء ما، وهي عبارة عن شيء ما مثير من البيئة المحيطة، أو حتى شعور داخلي يخبرنا بوجود سبب يستحق الانتباه والاهتمام والتفاعل المباشر، على سبيل المثال سماع صوت تحطم النافذة أثناء الليل، أو ملاحظة تورم أو شامة غريبة اللون على الجلد لم تلاحظ من قبل. تُنبه تلك الإشارة الجهاز العصبي اللاإرادي لتظهر على الفور أعراض القلق والتوتر، لتحث أجهزة الجسم على التفاعل مع الحدث.

العنصر الثاني: التفسير المحتمل (Belief):

على المستوى الإدراكي، يبدأ الدماغ بوضع تفسيرات محتملة لتلك الأحداث، مثل، هل هذه الشامة تعني أنني مصاب بالسرطان؟ أو أن صوت تحطم الزجاج يعني اقتحام لص للمنزل؟ وتمثل تلك التفسيرات المحتملة الأساس الذي ينبني عليه رد الفعل تجاه تلك الأحدث، مثل: زيارة الطبيب لفحص الشامة، أو التوجه لمصدر صوت التحطم لمعرفة السبب.

كما تقود تلك التفسيرات للعنصر الثالث من النموذج، وهي استراتجيات التأقلم…

العنصر الثالث: التأقلم (Coping):

تحتوي تلك الاستراتجيات على خطوات تفاعلية للتخفيف من الآثار السلبية للوضع الراهن أو خطط مستقبلية لتجنب الوقوع بنفس الوضع مرة أخرى. مثل: تقليل التعرض للشمس للتقليل من خطر الإصابة بسرطان الجلد، أو تركيب نظام أمن بالمنزل للحماية من اللصوص.

وانطلاقا من هذا المنظور يمكننا القول أن منشأ معظم اضطرابات القلق يبدأ من خلل في الخطوة الأولى: وهي إشارة التنبيه، كفرط نشاط تلك المنبهات (وضع التشغيل الدائم)، أو إعطاء تنبيهات زائفة كالمبالغة في تقدير الخطر من أحداث بسيطة، ثم التتابع في باقي التسلسل.

وبذلك فإن جميع التنوعات والاختلافات في الأفكار والسلوك بين اضطرابات القلق المختلفة بما فيها اضطراب القلق العام، يمكن إرجاعها في هذا النموذج لذلك الخلل المركزي.

وعلى المستوى البيولوجي، يمكن الربط بين النشاط الزائد في محور تحت المهاد/ فوق الكلوية (HPA Axis) وبين النموذج السابق ذكره، حيث أن فرط النشاط في هذا المحور، يمكن أن يسبب خللا في إشارات التنبيه مما يؤدي لفرط نشاطها. كما أن معظم اضطرابات القلق تشترك في وجود درجة من درجات فرط النشاط في أحد أجزاء هذا المحور.

كما يوجد ارتباط وثيق بين الأحداث السلبية التي قد يمر بها المصابون أثناء طفولتهم مثل العنف والإساءة والإهمال أو وفاة أحد الوالدين أو إصابة أحد مقدمي الرعاية باضطرابات القلق وبين النشاط الزائد لمحور (HPA Axis)، حيث تتراكم تلك التأثيرات للأحداث السلبية وتؤثر على التطور الطبيعي للمحور مسببة فرط نشاطه على المدى الطويل.

 وبتتبع النمط المميز لاضطرابات القلق -ومنها اضطراب القلق العام- عن طريق الرؤية من خلال عدسة النموذج التفسيري (ABC Model)، يمكننا الاقتراب بشكل كبير من فهم نقاط الخلل، وبالتالي تحقيق الغاية الأساسية وهي التخفيف من أثار وأعراض الاضطراب وذلك بوضع خطة علاجية مناسبة.

عوامل الخطر وأسباب الإصابة باضطراب القلق العام

مثل الكثير من الاضطرابات العقلية، لم يتوصل العلماء لسبب أكيد لاضطراب القلق العام، ولكن توجد الكثير من النظريات التي اجتهدت لتفسير أسباب الاضطراب والعوامل التي تساهم في ظهوره.

 العامل الوراثي:

تلعب الوراثة دورا هاما في الإصابة بالاضطراب، حيث أثبتت الإحصائيات أن نحو 30% من المصابين بالاضطراب لديهم تاريخ وراثي به.

 بعض النظريات المتعلقة بالجهاز العصبي والنواقل والمستقبلات العصبية:

لاحظت الكثير من الدراسات مجموعة من التغيرات التي تحدث بالجهاز العصبي للمصابين باضطراب القلق العام أهمها:

نظام النور أدرينالين: (Noradrenaline System):

نقص الاستجابة العصبية التلقائية ببعض المناطق بالدماغ، مثل مستقبلات ألفا 2، وبالتالي نقص دورها في تنظيم وتهدئة الجهاز العصبي، وزيادة معدلات الاستثارة لمناطق أخرى بالدماغ، مثل المسؤولة عن إفراز الأدرينالين، مما يتسبب بزيادة إفرازه وزيادة مشاعر التوتر والقلق.

نظام السيروتونين: (Serotonin System):

بعض الأبحاث تطرح وجود صلة بين الإصابة باضطراب القلق العام ووجود خلل في تنظيم إفراز السيروتونين بالدماغ، كما أن تَحسن أعراض المصابين بالاضطراب عند تناول أدوية مثبطات استرداد السيروتونين (SRI) يدعم تلك النظرية.

وجود خلل بمحور تحت المهاد/ فوق الكلوية: (HPA Axis):

يساهم محور (HPA) في تنظيم مستويات الكورتيزول بالجسم، وعند وجود خلل في هذا المحور قد يؤدي إلى نقص تثبيط الكورتيزول وبالتالي زيادة معدلاته، وتؤدي زيادة نسبة الكورتيزول في الجسم بدورها إلى التأثير على مستقبلات جابا (GABA Receptor)، والتي تلعب دورا هاما في تهدئة الجهاز العصبي.

يدعم هذه النظرية أن نحو 30% من المصابين باضطراب القلق العام يظهرون نقص تثبيط الكورتيزول عند إجراء اختبار تثبيط الكورتيزول (Cortisol suppression Test) طبقا للإحصائيات.

النظريات النفس/ ديناميكية (Psychodynamic theories)؛ لتفسير اضطراب القلق العام

يؤمن العديد من العلماء بوجود ارتباط بين الإصابة باضطراب القلق العام وبين الصراعات والنزاعات الداخلية غير المحلولة باللاوعي، مثل: موت أحد الوالدين، خلل بالتربية مثل الحماية الزائدة أو نقص مشاعر الدفء والحنان، والارتباط غير الآمن بمقدم الرعاية الصحية سواء بالإهمال أو الإساءة الجسدية بالعنف أو الإساءة النفسية باللفظ أو التصرف.

النظريات المعرفية والإدراكية:

تساهم بعض السمات الشخصية والخلفية المعرفية وكذلك طريقة إدراك ومعالجة الأمور في الإصابة باضطراب القلق العام، مثل: صرف الانتباه الانتقائي تجاه الأحداث السلبية، والتشوه في معالجة المعلومات المتعلقة بالأحداث اليومية العادية، كالمبالغة في تقدير حجم المشاكل البسيطة، والتبخيس من مهارات التأقلم والقدرات الشخصية.

الأسباب العضوية:

تعتبر بعض الأمراض المزمنة من عوامل الخطر التي تساهم في ظهور اضطراب القلق العام في الأشخاص المعرضين لذلك، مثل: أمراض القلب، والغدة الدرقية، وكذلك بعض الأدوية مثل هرمون الغدة الدرقية التعويضي (ثيروكسين).

كيف يتم تشخيص اضطراب القلق العام؟

يعد اضطراب القلق العام اضطرابا مزمنا غالبا ما تظهر بوادره منذ الطفولة، ويظهر بشكل أكبر في النساء، وغالبا ما يتم ملاحظته وتشخيصه حول سن الثلاثين.

التشخيص عن طريق الصورة الإكلينيكية

لتشخيص الاضطراب يجب استيفاء بعض الشروط كما سنوضح تاليا:

طبقا للإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية (DSM_5) فإنه يلزم للتشخيص أن يعاني المريض من القلق والمخاوف الخارجة عن السيطرة تجاه الأمور الحياتية اليومية، في غالب الأيام، ولمدة 6 أشهر على الأقل. كما يجب أن يصاحب الشعور بالقلق والخوف ثلاثة أو أكثر من الأعراض التالية:

  • الشعور الدائم بعدم الراحة (Restlessness).
  • الشعور بالإجهاد من أقل مجهود.
  • صعوبات بالتركيز والانتباه.
  • صعوبات بالنوم.
  • الشعور بالتوتر معظم الوقت.

وينبغي استبعاد أن تكون الأعراض السابقة نتيجة لتعاطي المواد المخدرة، أو كآثار جانبية لبعض الأدوية، أو جزء من أعراض مرض أخر.

بعض الفحوصات والمقاييس المساعدة على تشخيص اضطراب القلق العام

مقياس هاميلتون لتقدير مدى القلق (Hamilton Anxiety Rating Scale (HAM-A)):

هو مقياس يشتمل على أربعة عشر عنصرا، يأخذ كلا منها درجة من 0 إلى 4 ويستخدمه الأطباء المتخصصون لقياس حدة أعراض القلق والتوتر، وتقييم العديد من الأعراض المرتبطة بالقلق، مثل: الخوف ونقص التركيز، وبعض الأعراض الجسدية واضطرابات المزاج المصاحبة. ويستخدم أحيانا لتقييم نتائج الخطة العلاجية بإجرائه قبل البدء بالخطة وبعد فترات من تطبيقها.

استبيان/ مقياس العناصر السبعة لاضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder 7-Item (GAD-7) Scale):

وهو مقياس يتكون -كما يشير الاسم- من سبعة عناصر، يستخدم في تقييم الشعور بالعصبية والقلق الشديد الخارج عن السيطرة تجاه العديد من الأمور المختلفة مع صعوبة تهدئة النفس، كما يستخدم في تقييم الشعور بعدم الراحة، وسهولة التوتر والمضايقة، والخوف غير المبرر من حدوث شيء سيئ بالمستقبل.

وبالرغم من تصميم مقياس العناصر السبعة لتقييم اضطراب القلق العام بشكل أساسي، إلا أنه يساعد أيضا في تقييم اضطرابات القلق الأخرى.

فحوصات لاستبعاد بعض الأسباب العضوية

  • اختبارات وظائف الغدة الدرقية (Thyroid Function Tests).
  • قياس مستوى السكر بالدم، لاستبعاد انخفاض مستواه بالجسم (Hypoglycemia).
  • فحوصات السموم (Toxicology Screening).
  • صورة دم كاملة (CBC)، لاستبعاد أمراض فقر الدم (Anemia).
  • تخطيط صدى القلب/ الإيكو (Echo).

التشخيص التفريقي (Differential Diagnosis)

اضطراب الهلع (Panic Disorder):

وتتميز اضطراب الهلع بنوبات هلع فورية ومتكررة، وهي عبارة عن نوبات من القلق والخوف الشديدين والتي تنشأ نتيجة سبب محفز أو بدون سبب وتبلغ ذروتها في غضون دقائق، وغالبا ما تهدأ النوبة في خلال نصف ساعة.

اضطرابات الرُهاب/ الفوبيا (Phobias):

وتكون فيها مشاعر القلق والخوف تجاه أمر محدد، مثل: رهاب الحشرات، أو الأماكن المغلقة أو المرتفعة وغيرها.

اضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder):

وتظهر على المصاب به أعراض القلق والتوتر عند التعامل مع الغرباء، أو عند المرور بالمواقف الاجتماعية المختلفة.

اضطراب القلق والاكتئاب المختلط (Mixed Anxiety And Depression)

بعض الأمراض العضوية وبعض الأدوية الطبية:

تصحب بعض الأمراض العضوية أعراض القلق والتوتر، كما يمكن أن يظهر القلق كعرض جانبي لبعض الأدوية والعقاقير، وتتلاشى معظم أعراض القلق في هذه الفئة، عند علاج المرض العضوي أو إيقاف الدواء المُسبب لتلك الأعراض الجانبية. ومن أمثلة ذلك:

  • فرط نشاط الغدة الدرقية.
  • فرط نشاط الغدة الجار درقية.
  • انخفاض مستوى الجلكوز بالدم (Hypoglycemia).
  • ورم القواتم بالغدة الكظرية (Pheochromocytoma).
  • أمراض فقر الدم (Anemia).
  • بعض فئات أدوية الضغط المرتفع، وموسعات الشعب، ومضادات التشنج، ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية، وهرمون الثايروكسين البديل، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج اضطراب النظم القلبي (Antiarrhythmic drugs).

طرق علاج اضطراب القلق العام

بعد تأكيد التشخيص، يأتي دور وضع الخطة العلاجية المناسبة، وتنقسم طرق علاج اضطراب القلق العام إلى قسمين أساسيين: الأول: العلاج الدوائي، والثاني: العلاج النفسي (العلاج المعرفي السلوكي).

ويتم وضع الخطة العلاجية من قبل الطبيب المختص بعد التقييم الشامل للمريض، ويعد أفضل نظام علاجي من ناحية التأثير هو النظام المُختلط (العلاج الدوائي والنفسي معا).

العلاج الدوائي

يتم أخذ عمر المريض بالاعتبار قبل وصف العلاج الدوائي، وكذلك إمكانية أخذه للأدوية في وقت سابق، ومدى استجابته لها، ومناسبة التكلفة المادية للعلاج مع حالة المريض، وتفضيلات المريض للعلاج من حيث الفعالية والآثار الجانبية. وفيما يلي سنذكر بعض العلاجات الدوائية وبعض المعلومات عنها…

مثبطات استعادة السيروتونين الانتقائية (SSRI):

مثل: السيرترالين (Sertraline) والسيتالوبرام (Citalopram)، وتعتبر هذه المجموعة هي الاختيار الأول في علاج اضطراب القلق العام، وتعمل عن طريق تثبيط استعادة السيروتونين عند النهايات العصبية، وبالتالي زيادة نسبة السيروتونين بالجسم. وتصنف هذه المجموعة ضمن مضادات الاكتئاب، ولكنها تلعب دورا هاما في علاج اضطراب القلق العام بمعدل استجابة 30-50%. كما أثبتت بعض الأبحاث أن 81% من الأطفال المصابين باضطرابات القلق يظهرون استجابة ملحوظة عند وصف مجموعة (SSRI) بشكل مشترك مع العلاج المعرفي السلوكي (CBT).

مثبطات استعادة السيروتونين والنورأدرينالين (SNRI):

مثل: فينلافاكسين (Venlafaxine)، وتعمل هذه المجموعة عن طريق تثبيط استعادة السيروتونين والنورأدرينالين عند النهايات العصبية، وتؤدي وظيفتها بطريقة مشابهة للمجموعة السابقة. ويتم وصف هذه المجموعة في حال عدم الاستجابة لنوعين من الأدوية من مجموعتين مختلفتين. ويجب أخذ الحذر في حال وصف هذه المجموعة لمرضى الضغط المرتفع ومرضى القلب.

 مجموعة البنزوديازيبين (BDZ):

وتستخدم هذه المجموعة غالبا في البداية للسيطرة على الأعراض بشكل سريع، حيث تستغرق المجموعات الأخرى بعض الوقت حتى ظهور الفعالية، وتستخدم مع المرضى المتعاونين والمتبعين للتعليمات، ويُمنع استخدامها في حال اشتباه إساءة الاستخدام أو الاعتمادية، وتمنع أيضا مع مدمني الكحوليات والمواد المخدرة.

هيدروكسيزين (Hydroxyzine):

هذا الدواء هو مضاد للحساسية بالأساس (مضاد للهيستامين)، ويعمل على تهدئة أعراض الحساسية، مثل الحكة واحمرار الجلد، ولكن لدوره في تهدئة الجهاز العصبي، أصبح يستعمل مؤخرا لعلاج اضطرابات القلق والتوتر.

بوسبيرون (Buspirone):

ويعمل هذا الدواء بشكل مشابه لمجموعة البنزوديازيبين، كما يتلافى بعض الآثار السلبية لها، مثل قابلية الاعتمادية والاعتياد، ولكن يعيب هذا الدواء تأخر ظهور الفعالية من أسبوعين لثلاثة أسابيع، مما حد من استخدامه بشكل كبير.
جميع الفئات الدوائية السابقة يجب أن يتم معايرتها بشكل دقيق، كما يجب أن ينتظم المريض على العلاج لأربعة أسابيع على الأقل قبل الحكم على مدى الفعالية، وبمجرد أن تصبح الأعراض تحت السيطرة، لابد من الاستمرار على العلاج لمدة سنة على الأقل قبل البدء في سحب الدواءتدريجيًا.

العلاج النفسي/ العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب القلق العام (CBT)

أثبت العلاج النفسي فعالية كبيرة في السيطرة على أعراض القلق والتوتر في اضطرابات القلق وذلك في حال تقديمه بواسطة معالج خبير، حيث أثبتت الأبحاث ظهور تحسن ملحوظ على أكثر من ثلثي المرضى الذين تلقوا جلسات نفسية منتظمة، بعد ستة أشهر من المتابعة.

وتتضمن الجلسات النفسية، التعريف بطبيعة الاضطراب وآلية حدوثه، ومحاولة تغيير أنماط التفكير غير التكيفية، والتعريض التدريجي لبعض الأحداث والمواقف المسببة للقلق، ومساعدة المريض على استخدام مهارات التكيف. وتكون مدة الجلسات النفسية جلسة أو اثنتين أسبوعيا، كل جلسة تتراوح من ساعة إلى ساعتين، على مدار 4 إلى 6 أشهر.

قد تفيد أيضا بعض التغييرات في نمط الحياة في التخفيف من أعراض التوتر والقلق، مثل: ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، والتقليل من المنبهات مثل الشاي والقهوة، وممارسة اليوجا والتأمل بانتظام، والحصول على القدر الكاف من النوم.

أهم المضاعفات (Complications)

قد يتسبب الإهمال في تلقي الرعاية المناسبة في ظهور العديد من المضاعفات مثل:

  • الإصابة بالاكتئاب، ومن الشائع مصاحبة الاكتئاب لاضطرابات القلق.
  • مشاكل بالنوم، كما وكيفا.
  • اللجوء لإساءة استخدام المواد المخدرة.
  • مشاكل متكررة بالهضم.
  • اللجوء للعزلة الاجتماعية.
  • تحديات كبيرة ومشاكل بالعمل أو الدراسة.
  • تأثر جودة الحياة سلبا بشكل كبير.
  • التفكير بالانتحار.

أضف إلى ذلك أن اضطراب القلق يؤثر بالسلب على الكثير من الأمراض العضوية، مثل: الصداع والصداع النصفي، ومتلازمة القولون العصبي وأمراض الجهاز الهضمي، والآلام المزمنة، ومشاكل النوم والأرق، وأمراض القلب.

المآل (Prognosis)

أعراض اضطراب القلق العام (GAD) خفيفة في نحو 70% من المصابين، ولا تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية، فقط 9% من المرضى يعانون من أعراض شديدة وهو ما يؤثر سلبا على جودة حياتهم.

أما الأعراض عالية الشدة فيجب التعامل معها بحذر، فهي تنذر بمآل سيئ، على سبيل المثال: الإغماءات المتكررة، الانفصال عن الواقع (Derealization)، أو الانفصال عن الذات (Depersonalization) بشكل متكرر، ومحاولات الانتحار.

ومن الجدير بالذكر، أن العديد من المرضى المصابين بالاضطراب غير ملتزمين بالعلاج، بسبب عدة عوامل، مثل: ارتفاع تكلفة العلاج وأعراضه الجانبية، ولذلك فإن الانتكاس شائع الحدوث، كما أن طبيعة شخصية مرضى اضطراب القلق تدفعهم لتغيير مقدمي الرعاية الصحية بشكل مستمر، بحثا عن من يلبي احتياجات معينة في تصوراتهم. وبوجه عام يمكن القول أن مآل و جودة حياة المصب باضطراب القلق العام غالبا غير جيد.

الخلاصة

اضطراب القلق العام مرض مزمن، يعاني المصابون به من قلق شديد ومستمر فوق المستوى الطبيعي عند غيرهم من غير المصابين.

أحيانا يمكن تحديد مصدر القلق (قلق تجاه أمر محدد لفترة طويلة)، وأحيانا لا يمكن تحديد مصدره (قلق تجاه أمر غير محدد).

تتوفر الكثير من الأنظمة العلاجية للاضطراب والتي أثبتت فعاليتها على الكثير من المصابين وتشمل العلاجات الدوائية، والعلاجات النفسية، وبعض التوصيات لتغيير نمط الحياة.

إذا كنت تشتبه في إصابتك باضطراب القلق العام، فاذهب للطبيب المختص فورا؛ لأن طلب المشورة الطبية أمر ضروري، للبدء بالعلاج بشكل فوري، وتجنب كثير من المضاعفات.

وختامًا وجب التحذير من الانغماس في التشخيص الذاتي، فإن كنت تعاني من أحد الأعراض التي تم ذكرها، فلا يعني هذا أبدا أنك مصاب باضراب القلق العام، والشخص الوحيد المؤهل للتشخيص هو الطبيب المختص، ومن باب أولى عليك بالابتعاد عن هوس تشخيص الأخر.


قد تود الاطلاع على…

كتب هذا المقال د. عمرو جمال بعد الرجوع لعدة مصادر أهمها:

وتمت المراجعة بواسطة الفريق الطبي المُراجع لموقع بيمارستان أر إكس.