الصيام المتقطع INTERMITTENT FASTING

الصيام المتقطع
Advertisements

توطئة

يُعد الصيام المتقطع حاليا واحدًا من أكثر الأنظمة الغذائية رواجا في عالم الصحة والرياضة، ويتبع الناس حمية الصيام المتقطع بغرض إنقاص الوزن أو العمل على تحسين الحالة الصحية أو تسهيل نمط الحياة (أي عدم الانشغال بالأكل على مدار اليوم والتفرغ لما سواه).

تم إجراء الكثير من الأبحاث الواعدة على بعض الحيوانات السمينة – حول الصيام المتقطع – وكانت النتائج مُبشرة فقد لوحظ نقصان وزنها إضافة إلى انخفاض مستوي الكوليسترول والسكر في الدم لديها، وقد ثبت هذا في الفئران.

أما الدراسات التي أُجريت على البشر فقد أثبتت أن الصيام المتقطع آمن وفعال، ولكن بدون اختلاف كبير بينه وبين أي نظام غذائي أخر متبع لإنقاص الوزن وخصوصا الأنظمة القائمة على مبدأ تقليل السعرات الحرارية.

ماهو الصيام المتقطع؟

قبل أن نُعرف الصيام المتقطع يجب أن نعرف الصيام أولا فالصوم عبادة دينية وهو أحد أركان الإسلام:

الصَّومُ في اللغةِ: الإمساكُ عن الشَّيءِ والتَّركُ له(1)، وفي الاصطلاح: التعبُّدُ لله سبحانَه وتعالى، بالإمساكِ عن الأكلِ والشُّربِ وسائِرِ المُفَطِّراتِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ(2).

أما الصيام المتقطع فهو: نمط غذائي يمتنع (يُمسك) الفرد فيه عن الطعام الذي يحوي سعرات حرارية لمدة محددة.

ولنفصل التعريف الذي ذكرناه:

قلنا نمط غذائي ولم نقل نظام غذائي كالكيتو أو خالي من الجلوتين؛ لأن هذا النمط يهتم بتحديد وقت تناول الطعام أكثر من اهتمامه بنوعية الطعام وعليه فهو ليس نظام غذائي بالمعني التقليدي ولكنه نمط للغذاء.

خصصنا الطعام الممتنع عنه بالطعام الذي يحتوي على سعرات حرارية وبذلك خَرَج الماء (لا يحتوي الماء على سعرات حرارية) وهذا فرق بينه وبين الصيام (العبادة) وهناك فروق كثيرة ولكن هذا ما يعنينا هنا في موضوع حديثنا.

قيدنا الامتناع عن الطعام بمدة محددة وهذه المدة تختلف باختلاف طرق الصيام المتقطع وسنذكرها بعد قليل في فقرة طُرق الصيام.

آلية عمل الصيام المتقطع

يقول د. مارك ماتسون عالم الأعصاب في جونز هوبكنز ما ملخصه: عندما يقلل الإنسان من الفترات التي يتناول فيها الطعام يُضطر الجسم إلى استهلاك الطاقة المُخزنة فيه على هيئة دهون ثم التي على هيئة بروتين. فالاستمرار في الأكل على مدار اليوم يدفع بالجسم لاستخدام هذا الطعام لسد احتياجته من الطاقة وبالتالي الإبقاء على مخازن الطاقة ممتلئة إن لم يضف عليها من الفائض وهذا في حال كنت تتناول سعرات أكثر من احتياجك.

وذلك كما أوضحنا في مقال حساب السعرات الحرارية يمكنك الرجوع إليه لمزيد من الإيضاح.

مارك ماتسون متحدثا عن الصيام المتقطع

طرق الصيام المتقطع

قررتُ اتباع نمط الصيام المتقطع كيف أقوم بذلك؟

هناك أكثر من طريقة لأداء الصيام المتقطع والمشترك بينهم جميعا الأتي: فترة من الصيام يعقبها فترة من الأكل وهكذا دواليك، أما الاختلاف ففي تنظيم هذه الفترات ومدتها، ويمكن حصر الصور الأكثر شيوعا في الأتي:

  • نظام 8 /16: وفيه يقوم الصائم بالامتناع عن تناول الطعام لمدة 16 ساعة (بما فيها وقت النوم)، وحصر وقت الأكل في 8 ساعات فقط.

مثال: عدم تناول وجبة الإفطار وحصر وقت تناول الطعام من 1 ظهرا وحتى 9 مساءا ثم الامتناع عن تناول الطعام باقي اليوم. ويمكن البدء تدريجا بنظام 12/ 12 حتى يصبح الأمر أسهل أي حصر وقت الطعام في 12 ساعة والامتناع عن الأكل لمدة 12 ساعة.

  • نظام أكل – صيام – أكل: وفيه يقوم الصائم بالامتناع تماما عن الأكل لمدة 24 ساعة مرة أو مرتين أسبوعيا

مثال: صيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع.

  • نظام 5/ 2: وتضمن هذه الطريقة الأكل بالطريقة المعتادة علي مدار 5 أيام أسبوعيا ثم خفض السعرات الحرارية المتناولة على مدار يومين إلى 500 – 600 كالوري فقط لا غير

مثال: الاقتصار على 500 كالوري فقط في يومين من كل أسبوع.

يعتقد الكثيرون أن نظام 8 /16 هو الأيسر والأكثر ملائمة.

قد يحتاج الجسم من أسبوعين إلى أربعة أسابيع حتى يعتاد على هذا النمط الجديد للتغذية (الصيام المتقطع).

ملاحظة هامة:

  • يجب مرعاة كمية السعرات الحرارية المتناولة في فترة الأكل (عدم الصيام) وذلك لتحقيق النتائج المرجوة من الصيام المتقطع، أي إذا كنت تتناول سعرات حرارية أكثر من احتياجك اليومي فإن هذا النظام لن يفيدك كثيرا في إنقاص وزنك

ما يُسمح به في وما لا يسمح به في الصيام المتقطع

يُسمح في وقت الصيام بالأطعمة أو المشروبات التي لا تحوي أي سعرات حرارية (زيرو كالوري) وذلك مثل: المياه والقهوة الداكنة والشاي كل ذلك بدون إضافة السكر بالطبع أو الحليب أوالقشدة، ويُمنع أي طعام يحتوى على سعرات.

أما في الوقت المسموح فيه بتناول الطعام فيُمكن تناول أي طعام مع الاهتمام بالأكل الصحي عموما، أي: لا توجد أطعمة ممنوعة وهذا ما يجعل منه نظام سهل في الاتباع.

بعض الإرشادات للوصول إلى أفضل النتائج من الصيام المتقطع

  • تجنب السكريات البسيطة والحلويات، واستبدلها بالفواكه
  • تجنب الحبوب المكررة (الغير كاملة) والدقيق والخبز المصنوع منها
  • تناول الفاصوليا والعدس والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون
  • تجنب تناول الوجبات السريعة قدر وسعك واحرص على أن لا تجعلها عادة
  • اجعل الساعات المخصصة للأكل في وقت مبكر من اليوم ولتكن من 1 ظهرا وحتى 9 مساءا، ولا تجعلها قُبيل النوم
  • ابذل مجهودا قدر استطاعتك كأن تصعد السلم بدلا من ركوب المصعد أو السير على قدميك لقضاء حاجيات المنزل بدلا من ركوب السيارة أو استعمال الدراجة الهوائية، هذا على الأقل إن لم تمارس التمارين المنتظمة

تأثير الصيام المتقطع على الجسد

عند الصيام يحدث الأتي:

  • يزداد إفراز هرمون النمو في الجسم بمقدار 5 أضعاف مما يؤدي بدوره إلى زيادة الكتلة العضلية وتحرير الدهون المخزّنة للاستهلاك للحصول منها على الطاقة
  • تتحسن حساسية مستقبلات الإنسولين، ويقل مستوى الإنسولين في الدم مما يؤدي – أيضا – للحد من تخزين الدهون بل وتحريرها للاستهلاك للحصول منها على الطاقة
  • يتم تجديد الخلايا: أي إصلاح الخلل وهدم الخلايا القديمة والاستعاضة عنها بخلايا جديدة
  • يتغير التعبير الجيني (Gene expression) وتتغير وظيفة الجينات المتعلقة بطول العمر والحماية من الأمراض

فوائد الصيام المتقطع

  • سهولة الالتزام به وهذا ما يجعله النظام الغذائي المُفضل عند الكثيرين

وهذه بعض فوائد الصيام المتقطع للجسم نقلا عن بحث نُشر في المجلة الطبية البريطانية (NEJM):

  • صحة القلب: حيث يذكر الباحث أن هذا النظام يحسن من ضغط الدم كما يعمل على إعادة انتظام نبضات القلب ويقلل من مستوي الدهون الضارة (الدهون الثلاثية) مما يحسن من حالة الأوعية الدموية
  • الذاكرة: توضح الدراسة أن الصيام المتقطع يعمل على تقوية الذاكرة في الحيوانات كما يعمل على تحسين الذاكرة الصوتية (الشفهية) في الإنسان
  • الأداء البدني: الصيام المتقطع يحسن الأداء البدني وذلك مشاهد في نظام 8 /16 حيث يلاحظ زيادة في معدل خسارة الدهون مع الاحتفاظ بالكتلة العضلية، كما وجد الباحث أن قوة الفئران على تَحمُل الركض أعلى عند الصيام
  • السمنة: في التجارب التي أجريت علي الحيوانات وجد أن الصيام المتقطع يمنع من حدوث السمنة، بل وفي 6 دراسات مختصرة خسر بعض من يعانون من السمنة بعض الوزن وذلك من خلال اتباع الصيام المتقطع، ومنع حدوث السمنة يمنع من الإصابة بالأمراض المتعلقة بها كمرض السكري وانقطاع النفس النومي
  • صحة الأنسجة: في التجارب على مستوى الحيوانات خرجت نتائج العمليات الجراحية أفضل كما أن معدل تلف الأنسجة أقل، إضافة إلى زيادة التعبير الجيني كما ذكرنا آنفًا

وهناك الكثير من الأبحاث الأخرى في الربط بين الصيام المتقطع والسرطان والشيخوخة (الهِرم) والربط بينه وبين بعض خلايا الدماغ لكن ارتأينا عدم ذكرها لكونها تحتاج إلى مزيد من التجارب لإثبات صحتها

الصيام المتقطع وخسارة الوزن

يعد هذا أكثر الأسباب شيوعا لاتباع هذا النمط الغذائي وترجع خسارة الوزن إلى الأتي:

أولا: أن وقت الصيام أكبر من الوقت المسموح فيه بتناول الطعام وهذا يعني في الغالب الحصول على سعرات حرارية أقل من الاحتياج اليومي لكنه ليس شرطا ولذا يجب مرعاة كمية السعرات في الوقت المسموح به لتناول الطعام وأن لا تتعدى الاحتياج اليومي وذلك لإنقاص الوزن والوصول إلى النتائج المُرادة.

ثانيا: ترجع إلى تغيير مستوى الهرمونات فيزداد إفراز هرمون النورإبينفرين (النور أدرينالين) وهو الهرمون المحرر للدهون، ويزداد إفراز هرمون النمو في الجسم بمقدار 5 أضعاف مما يؤدي بدوره إلى زيادة الكتلة العضلية وتحرير الدهون المخزّنة للاستهلاك للحصول منها على الطاقة، كما تتحسن حساسية مستقبلات الإنسولين، ويقل مستوى الإنسولين في الدم مما يؤدي – أيضا – للحد من تخزين الدهون، هذا التغير على مستوى الهرمونات يرفع من معدل الأيض الأساسي (التمثيل الغذائي أو الاحتراق الداخلي) بنسبة 3.6% وقد تصل حتى إلى 14%.

في دراسة عن الصيام المتقطع نُشرت عام 2014 م وُجد أن الصيام المتقطع يقلل من الوزن بنسبة 3 – 8% أي ما يعادل من 3 إلى 8 كجم في حال كان وزنك 100 كجم خلال فترة من 3 إلى 24 أسبوع أي في أقل من 6 أشهر على أقصي تقدير وهي نسبة جيدة، ويقلل أيضا من نسبة الدهون المحيطة بالخصر والتي ترتكز حول الأعضاء الداخلية للجسم في هذه المنطقة وهي أحد أهم أسباب الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما يقلل من خسارة الكتلة العضلية مقارنة بغيره من الحِميات الغذائية أي يحافظ على الكتلة العضلية أثناء خسارة الوزن.

هل الصيام المتقطع آمن للجميع؟

يجب مراجعة الطبيب أولا قبل البدء باتباع الصيام المتقطع؛ فهناك مجموعة من الفئات لا تناسبهم هذه الحمية وهم:

  • الأطفال واليافعين تحت سن 18 عاما
  • السيدات الحوامل وكذلك المرضعات
  • مرض السكري لأسباب تتعلق بمستوي السكر في الدم والعلاج
  • مرضى الارتجاع المعدي المريئي
  • من يعانون من أي تاريخ مرضي له علاقة بالأكل مثل اضطرابات الجهاز الهضمي المتعلقة بالأكل

خلا هذا فإنه يلائم أغلب البشر.

الآثار الجانبية للصيام المتقطع

قد يصاحب البدء في اتباع نمط الصيام المتقطع بعض الآثار الجانية المزعجة ولكنها ما تلبث أن تختفي في خلال شهر على أقصى تقدير وتشمل ما يلي:

  • الإحساس بالجوع
  • الصداع
  • الإرهاق
  • الأرق

بعض الإشكاليات التي أدت إلى اتباع أنماط حياتية غير صحية في التغذية

ذكرنا الإشكاليات المتعلق حلها بالصيام المتقطع وإلا فالأمر أكبر من ذلك ولكن المجال ليس مناسبا هنا لسردها كلها، وهي إشكاليات نتجت عن تناول الطعام بصورة مستمرة على مدار اليوم – الأكل أمام التلفاز، الأكل أثناء مشاهدة مقاطع اليوتيوب، الأكل في وقت متأخر من الليل، الأكل كلما مررت بالثلاجة – مع قلة النشاط والحركة، وإليك بعض الأسباب على سبيل الإيضاح لا الحصر:

  • قلة وسائل الترفيه قديما جعلت البشر يخلدون إلي النوم مبكرًا ما يعني أكل أقل ليلا وحركة أكثر نهارا.
  • كثرة وسائل الترفيه الرقمية حالياً شجعت الإنسان المعاصر على السهر وقلة الحركة ودفعته لدرجة من الإدمان عليها وهو ما يستلزم استهلاك المزيد من الطعام والمسلّيات.
  • في وقت سابق كان الترفيه لشاب يافع يتمثل فى ممارسة الرياضة – لعب كرة القدم أو حتي مصارعة الشوارع – وما لها من فوائد، أما الآن فيتمثل الترفيه في مشاهدة التلفاز أو استعمال الهاتف الذكي أو لعب الألعاب الإلكترونية (بلاي ستيشن).
  • نمط الحياة السريعة يستلزم طعام سريع وفي الغالب يكون طعام غير صحي

والصيام يعالج كل تلك الإشكاليات.

كتب هذا المقال د. صبحي بعد الرجوع لعدة مصادر أهمها:

وتمت المراجعة بواسطة الفريق الطبي المُراجع لموقع بيمارستان