مدخل
مرض السكري، من منا لا يعرف حبيبًا أو قريبًا مصابا به، حيث تشير أحد الأبحاث المنشورة في مجلة الساينس إلى أن ما يقرب من نصف مليار إنسان يعانون من السكري، ويُتوقع زيادة العدد بنسبة مرتفعة في قابل الأعوام خاصة في البيئات التي لا تُولي اهتماما كبيرا لهذا الشأن. ومع انتشار مرض السكري، تزداد الحملات الترويجية التي تستهدف هذه الشريحة الكبيرة من المستهلكين، ومما يُروّج له، فوائد القرفة لمرضى السكري، وفاعليتها في السيطرة على المرض في مرحلة ما قبل السكري، وكذا دورها في إرجاء القابلية للإصابة بالسكري (Prediabetic). ورغم إقرار بعض الأبحاث العلمية بفوائد القرفة لمرضى السكري، إلا أن البعض الآخر خَلُص إلى عدم جدواها.
وخلال هذا المقال، سنحاول -بحول الله- إلقاء الضوء على القرفة والسكري، وسرد ما انتهت له الأبحاث العلمية حول فائدتها دون إفراط أو تفريط.
القرفة والسكري
السُكري أو البول السكري باختصار، هو حالة مرضية، يعاني المُبتلى بها من عدم اتزان السكر في الدم؛ نتيجة نقص إفراز الإنسولين كما في النوع الأول أو زيادة مقاومة الخلايا للإنسولين كما في النوع الثاني، وهذه الحالة قد تُفضي إلى مضاعفات خطيرة تتضمن أمراض القلب والكلى والأعصاب والنظر. ويشمل علاج مرض السكري إعطاء الإنسولين عن طريق الحقن، أو إعطاء بعض الأدوية الفموية. إلا أن النظام الغذائي يلعب دورا هاما جدًا في إدارة السكري والتحكم به، وهو ما أعطى بعض أنواع الأغذية أهمية شديدة نتيجة دورها السلبي أو الإيجابي في إدارة المرض. وسنتناول خلال السطور القادمة أحد أشهر أنواع الأغذية وهي القرفة، وسوف نبين العلاقة بينها وبين مرض السكري.
القرفة
يتم إدراج القرفة في شريحة التوابل العطرية، وتستخرج من اللحاء الداخلي لأشجار القرفة، ويتم تجفيفها بعد ذلك عبر طرق خاصة حتى تنتهي إلى أعواد القرفة التي تراها في الأسواق، ويمكن طحنها لتحصل عليها في صورة بودريّة.

أنواع القرفة
هناك عدة أنواع مختلفة من القرفة وعادة ما يتم تصنيفها إلى نوعين مختلفين:
- سيلان: تسمى أيضًا القرفة الحقيقية أو الأصلية، وهي أغلى أنواع القرفة.
- كاسيا: نوع ذا ثمن أرخص، ويٌستعمل في معظم المنتجات الغذائية التي تحتوي على القرفة في الأسواق.
وبرغم الاشتراك في التسمية، إلا أن هناك فروقا هامة بين نوعي القرفة السابقين، وسوف أناقشهما لاحقًا في هذه المقالة.
عند الحديث عن القرفة، سيتبادر إلى ذهنك أقراص سينابون ورقائق الإفطار ذات الرائحة الفوّاحة، لا بأس، غير أن هناك استخدامات أخرى للقرفة في الطب التقليدي، وهو أمر قديم قدم وجودها، فهيا بنا نتعرف على فوائد القرفة لمرضى السكر…
فوائد القرفة للسكر
بجانب تناول الأدوية والعلاجات الموصوفة من قبل الطبيب المختص، يتساءل البعض عن فائدة القرفة لمرضى السكري، فما الذي تخبرنا به التجارب؟
تشير نتائج دراسة إكلينيكية نُشرت في مجلة رعاية مرضى السكري (Diabetes Care Journal) في عام 2003 م إلى أن: تناول القرفة من قبل مرضى السكري من النوع الثاني يُحسن مستويات الجلوكوز والكوليسترول في الدم، وقد يقلل بعض مضاعفات مرض السكري، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.
وخلصت دراسة أخرى نشرت في عدد يوليو عام 2000 م في مجلة البحوث الزراعية إلى أن: تناول 1 جرام فقط من القرفة يوميًا يمكن أن يحسّن من حساسية الإنسولين، وهو ما يساعد في إدارة مرض السكري من النوع الثاني.
كما أظهر تحليل نُشر عام 2007 م في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية أن: تناول 6 جرامات من القرفة يُبطئ من إفراغ المعدة ويقلل بشكل كبير من ارتفاع السكر في الدم بعد الوجبات. وهو أمر مفيد لمرضى السكري.
ويشير تحليل نشر عام 2011 م في مجلة ميدينال فوود إلى قدرة القرفة على خفض نسبة السكر في الدم، حيث قارن الباحثون نتائج ثماني دراسات سابقة ومن ثم لاحظوا انخفاضًا متوسطًا في مستوى السكر في الدم بنسبة 3-5% عند تناول القرفة.
وتشير مراجعة أخرى لإحدى عشرة دراسة، إلى أن القرفة تؤدي إلى انخفاض طفيف في مستويات السكر الصائم والسكر التراكمي (HbA1c).
وخلصت مراجعة تحليلية لعشر تجارب أُجري عام 2013 م إلى أن: تناول القرفة قد يقلل من نسبة السكر في الدم أثناء الصيام، كما يساهم في خفض مستوى الكوليسترول والدهون الثلاثية والكوليسترول منخفض الكثافة (LDL) في الدم.
وفي تحليل نُشر عام 2016 م في مجلة أكاديمية التغذية، تم جمع الأبحاث التي تتعلق بموضوع خفض القرفة لنسبة السكر في الدم، وخلص إلى الآتي: أربع دراسات فقط هي التي حققت الانخفاض الذي يتسق مع أهداف الجمعية الأمريكية للسكر (ADA). وهو ما يعني احتمالية فائدة القرفة لمرضى السكري، غير أنها ليست بديلا لعلاجات السكري التقليدية.
ونتيجة لهذه الأدلة العلمية، يروّج كثير من الخبراء بصورة مبالغة وغير مبررة إلى أهمية القرفة لمرضى السكري من النوع الثاني، ودورها في إدارة المرض وتقليل مضاعفاته. وبرغم الدراسات العلمية التي سردنها في هذه الفقرة حول فوائد القرفة لمرضى السكري، إلا أن الأدلة العلمية لا تزال غير كافية؛ نظرا لصغر حجم الدراسات وما يشوب بعضها من خلل في التصميم.
هل القرفة آمنة لمرضى السكري؟
إذا كان مريض السكري يعاني من حساسية للقرفة، فإنه يُمنع من تناولها تجنبا لحدوث رد فعل تحسسي خطير، ويتفق في ذلك مرضى السكري وغيرهم.
القرفة آمنة لمرضى السكري في حال كان الكبد بحالة جيدة، أي لا مانع من تناول القرفة. هذا بخلاف ما إذا كنت تعاني من أحد أمراض الكبد -عافاك الله-، مثل: تليف الكبد أو الكبد الدهني، حينئذٍ ينبغي عليك الاحتياط، وذلك بعدم الإكثار من القرفة.
يُمنع أيضا مريض السكري من تناول الكعك والحلوى المحلّاة بالقرفة، وكون أحد مكوناتها القرفة لا يعني أنها -أي: الكعك والحلوى المحلّاة- لا تتسبب في رفع مستويات السكر بالدم.
عدا ما سبق، لم نصل إلى أي بحث علمي يشير إلى أن القرفة قد ترفع من نسبة السكر في الدم، وهو ما يجعل القرفة خيارا آمنا لمرضى السكري الباحثين عن بديل مناسب أقل خطورة من السكر والملح والتوابل الأخرى والتي يحتمل أن تكون ضارة لتتبيل الأكل.
وفي حال كنت تفكر في تناول مكملات القرفة، فتحدث مع طبيبك أولا، وخاصة إذا كنت تعاني من أي مرض أخر مع السكري أو تتناول أدوية. ابحث أيضا عن العلامات التجارية الموسومة بختم الجودة، وتجنب المنتجات مجهولة المصدر أو رديئة التغليف والتعبئة.
هل شرب القرفة يُجَنِبك الإصابة بالسكري؟
ما قبل السكري: هي مرحلة يعاني فيها الفرد من ارتفاع مستوى السكر بالدم، ولكن دون المستوى اللازم للتشخيص بداء السكري من النوع الثاني، أي: مستوى فوق المستوى الطبيعي للأصحاء (غير المصابين بالسكري) ودون المستوى المرضي للمصابين بالسكري، ويشير مركز السيطرة على الأمراض إلى أن ثلث الشعب اللأمريكي وصل إلى مرحلة ما قبل السكري (prediabetes)، وأكثر من 80% من هذا الثلث لا يدرك أنه في مرحلة القابلية للإصابة بالسكري. وهذا ما يقودنا إلى سؤال غاية في الأهمية..
ما أعراض ما قبل السكري؟
لا يعاني المريض خلال مرحلة ما قبل السكري من أي أعراض، إذا كيف يمكن تشخيص ما قبل السكري؟ يمكن تشخيص ما قبل السكري عبر إجراء تحليل السكر التراكمي (HbA1c)، حيث يُستدل بتحليل السكر التراكمي على مستوى السكر في الدم في الثلاثة أشهر السابقة للتحليل، ويمكن تشخيص مرحلة ما قبل السكري عند وصول مستوى السكر التراكمي بين 5.7 و 6.4، وإذا تجاوزت نسبة السكر التراكمي الحد الأعلى = دلّ ذلك على الإصابة بداء السكري، وذلك حسب النسب المحددة من جمعية السكر الأمريكية (ADA).
ترتفع القابلية للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني حال الوصول لمرحلة ما قبل السكري، ويُعجّل من الانتقال منها إلى السكري عوامل، منها: زيادة الوزن، والسمنة، وارتفاع الدهون في الدم، ووجود تاريخ مرضي لإصابة أحد أفراد الأسرة بداء السكري، وتجاوز سن الخامسة والأربعين، والإصابة بسكري الحمل، وممارسة الرياضة بمعدل أقل من 150 دقيقة أسبوعيًا. ومن كل ما سبق يأتي السؤال التالي، هل تنمع القرفة من الإصابة بالسكري؟
أشرنا آنفا لجمع من الدراسات تخبرنا بفائدة القرفة في تحسين مستويات السكر في الدم وخفض نسبة السكر التراكمي، ومع هذا لا يوجد دليل على أن القرفة تمنع من الإصابة بالسكري.
ما هي الفوائد الصحية للقرفة؟
إضافة إلى تنظيم جلوكوز الدم وخفض الكوليسترول، هناك عدة فوائد للقرفة، منها:
- تقليل حدوث الجلطات في الدم.
- تسكين الآلام عند مرضى التهاب المفاصل.
- تقوية الجهاز المناعي في الجسم.
- المساعدة في التخلص من عسر الهضم.
- الحد من تكاثر الخلايا السرطانية لسرطان الدم والأورام اللمفاوية.
- مصدرًا للعناصر الغذائية، مثل الكالسيوم والألياف والمانغنيز والحديد.
وترتبط غالبية هذه الفوائد الصحية باستخدام القرفة الحقيقية -المعروفة باسم قرفة سيلان- وليس القرفة المستخرجة من لحاء شجر القرفة، إلا أن الأخيرة هي النوع المستخدم في معظم أبحاث مرض السكري سالفة الذكر.
ما الكمية المسموح بها من القرفة يوميا؟
تمت دراسة فوائد القرفة لمرضى السكري جيدًا، ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن المقدار الذي يجب أن تستهلكه لجني الفوائد مع تجنب المخاطر المحتملة. وبوجه عام، تدور معظم الأبحاث حول أثر تناول 1 إلى 6 جرامات يوميًا، إما مُفردة أو مضافة إلى طعام آخر.
ضع في اعتبارك أن محتوى الكومارين في قرفة كاسيا يختلف عن محتواه في قرفة سيلان، وعليه فمن الأفضل تناول جرعات أقل من نصف إلى واحد جرام من قرفة كاسيا يوميًا؛ لتجنب تجاوز الحد اليومي المسموح به من الكومارين. بينما كمية الكومارين أقل بكثير في قرفة سيلان، ويمكن تناولها بجرعات تصل إلى 6 جرامات يوميا وهو ما يعادل ملعقة صغيرة وربع دون قلق.

شراء القرفة
تُباع القرفة في هيئات مختلفة، منها: أعواد القرفة، والبودر، وشاي القرفة، وزيت القرفة، وفي صورة مكمّلات على هيئة أقراص مستخلصة من القرفة. ويمكنك العثور على هذه المنتجات في معظم المتاجر الصحية ومحلّات الأطعمة والمكملات الغذائية.
وفي حال كنت تخطط لاستخدام مكمّلات القرفة بعد قراءة هذه السطور، أو إجراء تغييرات على نظامك الغذائي، فاستشر طبيبك أو فريق الرعاية الصحية أولًا.
الخلاصة
أشارت العديد من الدراسات إلى قدرة القرفة على خفض مستوى السكر في الدم، والمساعدة في إدارة مضاعفات مرض السكري الشائعة، ما حدا بالبعض لتعظيم دور القرفة لمرضى السكري.
إذا كنت ترغب في تناول مكملات القرفة أو إضافتها إلى وجباتك للمساعدة في خفض نسبة السكر في الدم، فمن الأفضل استخدام سيلان بدلًا من كاسيا.
في حين أن قرفة سيلان قد تكلّفك الكثير، إلا أن القرفة السيلانية تحوي المزيد من مضادات الأكسدة، والقليل من الكومارين الضار للكبد.
من الأفضل ألا تتجاوز نصف إلى واحد جرام يوميًا من قرفة الكاسيا، ويَسَعك تناول ما يصل إلى 6 جرامات يوميًا من القرفة السيلانية دون قلق، غير أننا لا ننصح بتغيير نمطك الغذائي دون الرجوع إلى المختصّين.
قد تود الاطلاع على…
كتب هذا المقال د. صبحي بعد الرجوع لعدة مصادر أهمها:
- Global and regional diabetes prevalence estimates for 2019 and projections for 2030 and 2045: Results from the International Diabetes Federation Diabetes Atlas, 9th edition
- Cinnamon and Chronic Diseases
- Cinnamon: Mystic powers of a minute ingredient
- The effects of cinnamon supplementation on blood lipid concentrations: A systematic review and meta-analysis
- Diabetes Complications
- Cinnamon, a promising prospect towards Alzheimer’s disease
- Coumarins in Food and Methods of Their Determination
- To what extent does cinnamon administration improve the glycemic and lipid profiles?
- Cinnamon: Mystic powers of a minute ingredient
- Cinnamon Use in Type 2 Diabetes: An Updated Systematic Review and Meta-Analysis
- The Effect of Different Amounts of Cinnamon Consumption on Blood Glucose in Healthy Adult Individuals
- Cinnamon Improves Glucose and Lipids of People With Type 2 Diabetes
وتمت المراجعة بواسطة الفريق الطبي المُراجع لموقع بيمارستان أر إكس.